التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
موقعة جشمة هي أحد فصول الحرب الروسية العثمانية الطويلة، وقد أحدثت صدًى عظيمًا في أوروبا، وزادت من اعتبار روسيا ومكانتها في العالم، بل كادت تحتل إسطنبول
العلاقات الروسية العثمانية قبل المعركة
منذ اعتلاء كاترين الثانية عرش روسيا سنة 1762م استأنفت هذه الدولة سياستها التوسُّعيَّة على حساب الدولة العثمانية لتحقيق مآربها؛ فقد قامت سياسة الإمبراطورة كاترين الثانية الخارجيَّة على إضعاف الدولة العثمانية، وعلى القضاء على استقلال بولندا والسويد، وقد نجحت بالفعل في السيطرة على بولندا سنة 1764م، فاستنجد حزب الائتلاف البولندي بالسلطان العثماني حينذاك مصطفى الثالث (1757- 1774م) لإيقاف التقدُّم الروسي، و-أيضًا- تنبَّهت الدبلوماسيَّة العثمانية للخطر الروسي الزاحف الذي كان يتمثَّل في أنَّه بمجرَّد سقوط بولندة يعني ذلك وصول روسيا إلى أبواب إسطنبول، فكان لا بُدَّ من التدخل لإيقاف روسيا عن تحقيق أهدافها [1].
أسباب معركة جشمة
كانت استراتيجيَّة روسيا بعيدة الأهداف جيِّدة التنفيذ؛ فقد عزمت على ضرب العثمانيِّين في أكثر من جبهة، فأرسلت أوَّلًا الكثير من أتباعها لتحريك الثورة في الولايات العثمانيَّة التي يكثر بها العنصر النصراني كالصرب واليونان والجبل الأسود؛ لكي تُوقِع الدولة العثمانية في ارتباكٍ داخلي، ثم قامت بإرسال إسطولٍ بحريٍّ إلى شبه جزيرة المورة تحت قيادة الكسندر أورلوف [2]، توجَّه هذا الأسطول في عام 1768م من بحر البلطيق إلى المحيط الأطلسي، ثم إلى البحر الأبيض المتوسط [3]، ومنه إلى المورة، وكان هذا مفاجأةً للجيش العثماني [4]، وأمدَّت روسيا الثوَّار هناك بالأسلحة والنقود، ولكن تمكَّن الجيش العثماني بقيادة محسن زاده محمد باشا من إخضاع الثوَّار اليونانيِّين، ممَّا دفع الأسطول الروسي إلى المغادرة لكن بعد خسائر كثيرة [5].
معركة جشمة الحاسمة
خرج الأسطول الروسي من جزيرة المورة قاصدًا جزيرة ساقز [6]، وتقابل الأسطولان العثماني والروسي في شمال هذه الجزيرة [7] في صباح يوم (6/ 7/ 1770م = 12/ 3/ 1184هـ)، وبعد أن استمرَّ القتال أربع ساعات انتصر العثمانيُّون ورجعوا بعد تمام النصر إلى ميناء جشمة [8][9]، في خطوة تكتيكيَّة عُدَّت خطأً فادحًا؛ ذلك أنَّ هذا الميناء كان ضيِّقًا ممَّا شلَّ حركة السفن وحرمها من القيام بالمناورات العسكريَّة الضروريَّة، وأعطى بالمقابل فرصةً للأسطول الروسي [10]، الذي خرجت منه سفينتين إحراق واقتربتا من السفن العثمانيَّة، وظنَّ العثمانيُّون أنَّهما قادمتان لغرض اللجوء، ولكن بمجرَّد أن دخلتا الميناء قامتا بإشعال النيران في السفن العثمانيَّة ليلة 6/ 7/ 1770م [11]، وانتقل الحريق إلى جميع السفن والمعدَّات الموجودة بها؛ فاحترق الأسطول العثماني برمَّته حتى أصبح ميناء جشمة كالبركان الذي أغرق جميع السفن [12]، فتكبَّدت القوَّة البحريَّة العثمانيَّة خسائر كبيرة [13].
نتائج معركة جشمة
أحدثتْ هزيمة العثمانيِّين من الروس في موقعة جشمة صدًى عظيمًا في أوروبا [14]؛ فقد كانت أسوء هزيمةٍ لقيها الأسطول العثماني منذ معركة ليبانتو [15] التي كانت سنة (979هـ= 1571م) [16]، ولمـَّا وصل خبر الانتصار إلى كاترين الثانية إمبراطورة روسيا، احتفلت به بإقامة قوس للنصر في منطقة تسارسكوسلو، وصنعت نيشانًا لكلِّ مقاتل مدوَّن عليه عبارة «كنت هناك» [17]، كما أنَّها لَقَّبت قائد الأسطول الروسي الكسندر أورلوف بلقب «جشمسكي» نسبة إلى ميناء «جشمة» تذكارًا لانتصاره [18].
بهذه الهزيمة أضحى الطريق إلى إسطنبول مفتوحًا أمام الروس إلَّا أنَّهم لم يستغلُّوا انتصارهم هذا في الزحف نحو العاصمة؛ فقد فضَّل القائد الروسي احتلال جزيرة لمنوس وضرب عليها الحصار، لكنَّه أُجبِر على فكِّ الحصار عنها في العام التالي؛ أي سنة 1771م [19]، واستطاع الأسطول العثماني بقيادة «حسن باشا» القيام بعمليَّةٍ انتقاميَّةٍ لهذا الهجوم [20].
[1] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، دار النفائس، الطبعة الثالثة، 1434هـ= 2013م، ص290، 291.
[2] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، مطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ،، 1/ 629، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص292.
[3] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سليمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، تركيا، إستنابول، 1/ 1988، 1/ 624.
[4] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إستانبول، 2008، ص356.
[5] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 630، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص292.
[6] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401هـ= 1981م، ص336.
[7] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 625.
[8] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص336، ويلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 625.
[9] يقع ميناء جشمة على الساحل الأناضولي الغربي ويُجاور إزمير من جهات الغرب. على حسون: تاريخ الدولة العثمانية، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1415= 1994م، ص218.
[10] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص292.
[11] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص336، ويلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 625.
[12] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 625، وجون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة: ناهد إبراهيم الدسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، ص453.
[13] أحمد آق كوندز، سعيد اوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص357.
[14] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 625، وأحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص357.
[15] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ص453.
[16] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص257.
[17] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ص453.
[18] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 631، وجون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ص453.
[19] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص293.
[20] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص357.
التعليقات
إرسال تعليقك